سورة النساء - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} في المعني بذلك أربعة أقاويل:
أحدها: أنه عَنَى وُلاَةَ أمور المسلمين، وهذا قول شهر بن حَوْشَبٍ، ومكحول، وزيد بن أسلم.
والثاني: أنه أمر السلطان أن يعظ النساء، وهذا قول ابن عباس.
والثالث: أنه خُوْطِبَ بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان بن أبي طلحة، أن يرد عليه مفاتيح الكعبة، وهذا قول ابن جريج.
والرابع: أنه في كل مَؤْتَمنٍ على شيء، وهذا قول أُبَيّ بن كعب، والحسن، وقتادة. وقد روى قتادة عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَدِّ الأَمَانَةَ إلى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَك».


قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الْرَّسُولَ وِأُولي الأَمْرِ مِنكُمْ} يعني أطيعوا الله في أوامره ونواهيه، وأطيعوا الرسول.
روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطَاَعنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَا اللهَ، وَمَنْ عَصَا أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي».
وفي طاعة الرسول قولان:
أحدهما: اتباع سنته، وهو قال عطاء.
والثاني: وأطيعوا الرسول إن كان حياً، وهو قول ابن زيد.
وفي أولي الأمر أربعة أقاويل:
أحدها: هم الأمراء، وهو قول ابن عباس، وأبي هريرة، والسدي، وابن زيد.
وقد روى هشام عن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَيَلِيكُم بَعْدِي وُلاَةٌ، فَيَلِيكُمُ البَرُّ بِبِرِّهِ، وَبَلِيكُمُ الفَاجِرُ بِفجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُم وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُم، فإِن أَحْسَنٌواْ فَلَكُم وَلَهُم، وإنْ أَساءُوا فَلَكُم وَعَليهُم».
واختلف قائلو هذا القول في سبب نزولها في الأمراء، فقال ابن عباس: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية. وقال السدي: نزلت في عمار بن ياسر، وخالد بن الوليد حين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية.
والقول الثاني: هم العلماء والفقهاء، وهو قول جابر بن عبد الله، والحسن، وعطاء، وأبي العالية.
والثالث: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد.
والرابع: هم أبو بكر وعمر، وهو قول عكرمة.
وطاعة وَلاَةِ الأمر تلزم في طاعة الله دون معصيته، وهي طاعة يجوز أن تزول، لجواز معصيتهم، ولا يجوز أن تزول طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لامتناع معصيته.
وقد روى نافع عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عَلَى المرَءِ المُسْلِمِ الطَّاعةُ فِيمَا أَحبَّ أو كَرِهَ إلاََّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيةٍ فَلاَ طَاعَةَ».
قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} قال مجاهد، وقتادة: يعني إلى كتاب الله وسنة رسوله.
{إِن كُنتُم تُؤُمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَومِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأْوِيلاً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أَحْمَدُ عَاقِبَةً، وهذا قول قتادة، والسدي، وابن زيد.
والثاني: أَظَهَرُ حَقاً وأَبْيَنُ صَواباً، وهو معنى قول مجاهد.
والثالث: أحسن من تأويلكم الذي لا يرجع إلى أصل ولا يفضي إلى حق، وهذا قول الزجاج.


قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوآ أَن يَكْفُرواْ بِهِ} اختلف فيمن نزلت هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في رجل من المنافقين ورجل من اليهود كان بينهما خصومة، فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك لأني أعلم أنهم لا يقبلون الرشوة، وقال المنافق: أحاكمك إلى اليهود منهم كعب بن الأشرف، لأنه علم أنهم يقبلون الرشوة، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة، فأنزل الله فيهما هذه الآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} يعني المنافق {وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} يعني اليهودي. {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} يعني الكاهن، وهذا قول الشعبي ومجاهد.
والثاني: أنها نزلت في رجلين من بني النضير وبني قريظة، وكانت بنو قريظة في الجاهلية إذا قتلت رجلاً من بني النضير أقادوا من القاتل، وكانت بنو النضير في الجاهلية إذا قتلت رجلاً من بني قريظة لم تَقُد من القاتل وأعطوا ديته ستين وَسْقاً من تمر، فلما أسلم ناس من بني قريظة وبني النضير، قتل رجل من بني النضير رجلاً من بني قريظة فتحاكمواْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النَّضِيِرِيُّ لرسول الله: إنا كنَّا في الجاهلية نعطيهم الدية ستين وَسَقاً من تمر، فنحن نعطيهم اليوم ذلك، وقالت بنو قريظة: نحن إخوان في النسب والدين وإنما كان ذلك عليه الجاهلية وقد جاء الإسلام، فأنزل الله تعالى يعيِّرهم بما فعلواْ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، ثم ذكر قول بني النضير {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50] ثم أَخَذَ النَّضِيرِيَّ فقتله بالقرظي، فتفاخرت النضير وقريظة ودخلواْ المدينة، فتحاكموا إلى أبي بردة الأسلمي الكاهن، فأنزل الله في ذلك {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُم ءَامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ} [النساء: 60] يعني في الحال، {وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} يعني حين كانوا يهوداً. {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ} يعني أبا بردة الأسلمي الكاهن، وهذا قول السدي.
قوله تعالى: {فَكَيفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةُ} الآية في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن عمر قتل منافقاً لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إخوانه من المنافقين يطالبون بدمه، وحلفواْ بالله أننا ما أردنا في المطالبة بدمه إلا إحساناً إلى النساء، وما يوافق الحق في أمرنا.
والثاني: أن المنافقين بعد القَوَدِ من صاحبهم اعتذرواْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاكمتهم إلى غيره بان قالواْ ما أردنا في عدولنا عنك إلا توفيقاً بين الخصوم وإحساناً بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرّ الحق، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِم} يعني من النفاق الذي يضمرونه.
{فَأَعْرِضْ عَنهُم وَعِظْهُم} وفي الجمع بين الإعراض والوعظ مع تنافي اجتماعهما في الظاهر- ثلاثة أوجه:
أحدها: أعرض عنهم بالعداوة لهم وعِظهم فيما بدا منهم.
والثاني: أعرض عن عقابهم وعظهم.
والثالث: أعرض عن قبول الأعذار منهم وعظهم.
{وَقُل لَّهُم فِي أَنْفُسِهِم قَوْلاً بَلِيغاً} فيه قولان:
أحدهما: أن يقول لهم: إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ، وهذا قول الحسن.
والثاني: أن يزجرهم عما هم عليه بأبلغ الزواجر.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13